الأربعاء ٠٥ / فبراير / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×

أسامة داود يكتب: عندما تبارك بعض القيادات انتزاع هوية «العامة للبترول» ( 4 )

أسامة داود يكتب: عندما تبارك بعض القيادات انتزاع هوية «العامة للبترول» ( 4 )

"لقاء ودي مع مسؤول بترولي كبير في مكتبه الفخم، الذي تكسو جدرانه الأخشاب الفاخرة وتغطي أرضياته، بينما تنبعث من سقفه أضواء هادئة.

بدأ بالحديث عن الشئون العامة ثم ما لبث أن انتقل بى إلى سلسلة مقالاتي بشأن الشركة العامة للبترول مؤكداً أن  ما أعتقده ليس كله صوابًا 

** فقلت : كل ما أدونه ليس الا ما يتجمع لدى من معلومات لا يتخللها الشك.

* رمقنى بنظرته مقطبًا جبينه معترضًا على ما أتناوله عن  الشركة العامة للبترول باعتبار أن جذب الاستثمار هو من أهم أهداف قطاع البترول خاصة في نشاط إنتاج الزيت والغاز منتقدًا مخاوفى من وثوب بعض الشركات الخاصة التي تعمل في البحث والاستكشاف سواء مصرية أو عربية على الشركة العامة.

 معتبرًا أننى مبالغ في الأمر وأن ما يحدث هو في صالح العامة نفسها وأنه سوف ينعشها ويزيد إنتاجها.

** قلت له : لما لا يتم جذب الاستثمارات تجاه مناطق البحث والاستكشاف الجديدة عبر طرح المزايدات وهو المتعارف عليه في كل الاتفاقيات التي تبرم في معظم دول العالم كله ومنها مصر؟

ولماذا الإصرار على الاستثمار في الحقول المنتجة التي لا تحتاج إلى تكنولوجيا حديثة أو إلى استثمارات ضخمة وليس بها أي مخاطر؟ 

لماذا لا نتركها للشركة العامة تقوم بها كالمعتاد عبر توفير أقل القليل من الاستثمارات؟

* قال : ولكن الشركة العامة للبترول بها حقول متقادمة يصعب عليها القيام بتنميتها وبالتالي وجود مستثمر بها يحقق لها القدرة على زيادة الإنتاج عبر الانفاق على التشغيل وعلى التنمية على أن يحصل على نسبة لا تزيد عن 60% من الزيادة في الإنتاج.

** قلت له : طالما أن الحقول قائمة وأن كل ما ينقصها ضخ نفقات تشغيل ونفقات تنمية وبالتأكيد لا يوجد اى مخاطر في عدم استرداد تلك الأموال بل وتحقيق مكاسب لأن المستثمر بالتأكيد لا يقبل العمل في حقل على أن يسترد فقط ما أنفقه ولكن ليحقق أرباحاً عبر إنتاج ربما يصل إلى عدة أضعاف ، أى استثمار آخر والا لكان قد فضله على غيره.

* قال  وهو يضغط على مخارج الحروف : اسمع حضرتك لست خبيرا في مجال البترول ويصعب عليك فهم ما نهدف اليه كقطاع، لأن تلك الأموال المطلوب ضخها غير متوافرة لدى الشركة العامة والتي تعانى من تدبير الأجور والمرتبات وكل الخدمات بجانب الإنفاق على التنمية وهو ما يصعب على الهيئة أيضا تدبيره

**كنت أرد بناءً على المعلومات المتوفرة لدي، إذ أنني، كما ذكرت، لست خبيرًا في مجال البترول، خاصةً وأن البترول يرتبط بالعديد من المجالات. وقد لا يكون كل متخصص في مجال معين ملمًّا بكافة الأنشطة الأخرى."

ولكن عبر عملى بالقطاع  في تغطية أخباره ومتابعة شئونه قد توافرت لدى من المعلومات ولا أقول من الخبرة ما أستطيع أن أرد نيابة عن القطاع.

 فأنا كالمحامي الذى يدرس قضية فيدافع عن صاحبها علمًا بأنه لم يكن طرفاً فيها ولكن ربما يستطيع أن يحسن الدفاع ، وإلا ما كان قد تم الاستعانة به للقيام مقام موكله أمام السلطة القضائية التي بالتأكيد يكون في امتلاكه لمنطق الدفاع براءة موكله أو النيل من خصمه ويكون في إخفاقه ضياع الحقوق.

* فقال : ولكن ما أتحدث عنه هو لمصلحة القطاع لأن وجود المستثمر هو وجود أموال لم يضخها القطاع وتستهدف زيادة الإنتاج ومن تلك الزيادة يحصل المستثمر على نصيب يحقق له الربح.

** قلت : ولكن على ما أعلم أن الاستثمار في نشاط البترول يرتبط بعدة أسباب وهى جلب الاستثمارات لعمليات البحث والاستكشاف لمناطق بكر لم يسبق أن تم معرفة أى معلومات عنها.

وبالتالي يكون ملازما للاستثمارات الجديدة تكنولوجيا حديثة بالاضافة إلى تحمل عنصر المخاطرة كاملة حال لم يوفق في الوصول الى احتياطيات بالمناطق المطروحة .

شعرت بأنه لا يريد أن يستمر في المناقشة ربما لجهلى بأمور الاستثمار والذى يعنى له جذب أموال ويعنى لى تبديد جزء من إنتاج الشركة العامة بضخ استثمارات لا تتوازى مع ما تجود به حقول العامة.

تحدث كمن نفذ صبره بعدما نزع نظارته بيده اليسرى ليشيح بيده اليمنى مشهرا كفه على هيئة سيف وكأنه قرر أن يبتر الحديث مع من لا يملك خبرة الخبراء.

* وقال : قلت لك العامة للبترول ليس لديها موارد مالية لتنفق

** قلت : ولما لا أضخ أنا تلك الأموال ولو عن طريق بنوك تقترضها الشركة العامة وبضمان هيئة البترول على أن تسدد من الإنتاج الجديد المتوقع استخراجه خاصة وأن الحقل قائم ومنتج وأن احتياطياته مؤكدة وأن الاستثمارات التي تتطلبها التنمية محدودة وأن التكنولوجيا المطلوبة متوافرة وأن معظم النفقات الثابتة لا تزيد مثل العمالة الفنية المتوافرة والمعدات وغيرها ولا يتطلب الأمر إلا أقل القليل.

لماذا لا تترك العامة تعمل بنفس الأساليب التي تعمل بها وهى تحمل صفة شركة مصرية خالصة .. لا شريك أجنبى فيها طالما انها ناجحة .. لماذا لا تتركها كما هي وهى تتربع على عرش شركات الإنتاج بقطاع البترول ولم تسبقها إلا شركة واحدة بينما لم تكن في الماضى إلا شركة في الثلث الأخير من شركات القطاع من حيث الإنتاج؟

الم تنجح الشركة في التقدم بإنتاجها عبر حقول قديمة مر على بعضها أكثر من 100 سنة ورغم ذلك تنتج ؟

ألم تحقق تلك الشركة تكلفة تنافسية في إنتاج برميل البترول بما لا يتجاوز متوسط إنتاج البرميل من البحر والبر اكثر من 20 دولاراً فقط ؟

ألم تقدم الشركة العامة كل إنتاجها لهيئة البترول لتضخه في أوردة معامل التكرير المصرية لتحيله إلى منتجات دون أن تتحمل هيئة البترول  فيه 80 دولارا كما تدفع لحصة الشريك أو أكثر من ذلك لو تم استيراده من الخارج حيث يكون محملاً بتكاليف نقل عبر الناقلات ومستودعات وأنابيب الوصول إلى المعامل؟

ألم تكن الشركة العامة هي الشركة المصرية التي لازالت تحتفظ بصفة العامة منذ عام 1957 حتى الآن وبها من العناصر الفنية والخبرات ما يفوق أى من باقى الشركات وتستمر في امتصاص طبقات يصعب على الشركاء الأجانب استيعابهم ؟

هل يصعب على خبراء البترول أن تظل الشركة تحمل صفة العامة علمًا بأنها ربما تحقق لقطاع البترول وضعاً تفاوضياً مع الشركات الأجنبية التي تعمل في البحث والاستكشاف بإعتبار أن لدى مصر خبرة في هذا النشاط تستطيع ان تتوسع فيه عبر ما تملكه من خبرات وإمكانات عبر الشركة العامة؟

كنت أتحدث بحالة من الغضب ولم أستطع  الصبر على مناقشة مسئول يرى أن الاستثمار هو الهدف دون أن يكلف نفسه توسيع مساحة الصبر معتبرا أن الحديث مع غير دارس ومتخصص اكاديميا في هذا النشاط الواعر هو نوع من التنازل من جانبة على متجاوز هو العبد لله.

كانت مساحة الصبر الضيقة  قد نفذت بالنسبة لى وأنا أعدد مناقب الشركة العامة مدعوما بأداء الشركة الذى يجعل العاملون فيها ينطبق عليهم المثل القائل "الشاطرة تغزل برجل حمار".

شعرت أن كلماتى أشبه بحصى مدبب أحدث اصطدامات متتابعة لوجهه الذى تبدل الى الحمرة ربما من غضب لم يستطع أن يكبته حتى لا يتحول النقاش إلى صدام.

 كان هدوء المكتب يهدهده صوت القرآن الكريم المرتل عبر شاشة مع بث حى من بيت الله الحرام  والكعبة المشرفة التي كانت تسربل المكان بلون من السكينة.

* وتحول نقاشنا إلى نوع من النشاز، ولكن فى محاولة من المسئول الذي يتسم بالذكاء أراد أن يلتقط طرف الحديث عبر بتر كلماتى المتدفقة بلا توقف ، فضغط الجرس ليدخل عامل المكتب المهندم ببذتة السوداء ليقاطعني بكلمات مهذبة تشرب حضرتك ايه .

أوقفتنى كلمات المهذب وسط انحناءة خفيفة فأشكره ، ولكن يتدخل صديقى المسئول في إصرار "لازم هتشرب حاجة" 

** قلت : إذا ينسون بإعتبار أنه الأنسب لهذا الموقف وربما ينزع فتيل الغضب ويحيله إلى نوع من الهدوء لننهى المناقشة.

* لكنه كمن يريد أن لا يخسر الحديث معى استأنف كلماته وسألني : هل من الأفضل أن أبقى على كميات من الزيت يصعب استخراجها من خلال جهود الشركة العامة في ظل إمكانياتها المحدودة أم أمنحها لمستثمر يقوم بزيادة الإنتاج ويحصل على نسبة منه ؟.

** قلت : طالما أنا متأكد أن بالحقول ما تجود به وبكميات قد تصل حسب ما تؤكده قيادات الشركة العامة بعشرات الآلاف من البراميل يوميا مقابل استثمارات لا تتجاوز في البداية أكثر من بضعة ملايين من الدولارات بالعملة المحلية أو لنقل بضعة مئات من ملايين الجنيهات عبر اقتراض للوصول إلى نفس النتيجة التي لن يحقق الاستثمار الأجنبى أفضل منها لتذهب جميعها لهيئة البترول فتكون العامة احق بهذا الدور، لتحقن نزيف الدولارات التي نضخها لشراء حصة الشريك.

وأكملت بعدما فشل الينسون في كبح جماح الاندفاع قائلًا : لماذا لا تتعامل الهيئة مع الشركة على أنها شريك وتمنحها نسبة من عائدات الإنتاج بسعرها العالمى ليعاد توجيهه للاستثمار في تنمية الحقول مرة أخرى وبالتالي تضمن استمرار التنمية واستمرار زيادة الإنتاج؟

ولكن في هذه المرة لن تخرج آلاف البراميل لصالح الشريك بالبيع للخارج لصالحه ولن تدفع الهيئة فيه إذا ما أرادت الحصول عليه أى مبالغ مالية بالدولار.

أليس ذلك أفضل لهيئة البترول وفى ظل ان تبقى الـ "عامة" عامة لـ "عامة" الشعب.

لأعلن بعد أن أزف الوقت استئذانى منصرفًا قبل أن أصبح ضيفًا ثقيلا على قلب ونفس صديقى المسئول البترولى الكبير.